نظرات وعبر في أحكامٍ وفضائلَ في مناسكِ الحجِّ والعمرة
الحمد لله، نحمده ونستعينه
ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن
يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله، أرسلَه بالحقِّ بشيرًا ونذيرًا بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد،
ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئا.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ
اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا
وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ
بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}. (النساء: 1)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
آل عمران: 102)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا
عَظِيمًا}. (الأحزاب: 70، 71)
اللهم صلِّ وسلِّم
وبارِك على نبينا محمد وآله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد؛
أيها الإخوةُ الكرام!
يهبُّ علينا في هذه الأيام، عَبَقُ الاستعدادِ لحجِّ لبيت الله الحرام، وشدِّ
الرحال إلى المسجد الحرام، فما هي إلا أيام؛ وينطلق فيها وفدُ الله إلى بيت الله،
متوكلين على الله، تاركين الأهل والأوطان، يحدوهم الإخلاص والإيمان، مستجيبين
لنداء خليل الرحمن، الذي نادى قبل آلاف الأعوام، فأسمعَ من في الأصلاب والأرحام،
قال سبحانه: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ
ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}. (الحج:
27)
بلد الله الحرام إنَّه مكَّة، إنه بَكّة، بكةُ؛
لأنها تبكّ أعناق الجبابرة، فلم يقصدها جبار بسوء إلا قصمه الله تعالى [وقد.
ذكروا لمكة أسماءَ كثيرةً =منها=: مكةُ، وبكَّة، والبيتُ العتيق، والبيتُ الحرام،
والبلدُ الأمين، والمأمون، وأُمُّ رُحْم، وأمُّ القُّرَى، وصلاحُ، والعَرْشُ؛ على
وزن بَدْر، والقادس؛ لأنها تطهر من الذنوب، والمقدَّسة، والنَّاسّة: بالنون،
وبالباء أيضا، والحاطمة، والنسَّاسة = سُمِّيَتْ بذلك لِقِلَّةِ الماءِ بها إذْ ذاك
القاموس المحيط=، والرأس، وكُوثى، والبلدة، والبَنِيَّة، والكعبة]. تفسير
ابن كثير (2/ 78)
إنه بيتُ الله الحرام، ولِمَ الحجُّ إلى بيت الله الحرام؟
ولم زيارتُه وقصدُه بالحجِّ والعمرة؟ وتخصيصُه بالقِبلة؟
والجواب:
أوَّلا: طاعةً لله عز وجل، الذي أمر بذلك فقال: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ
وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ
إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}.
(آل عمران: 97)
ثانيا: طاعةً لرسول الله القائل: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ،
فَحُجُّوا». مسلم (1337)
ثالثا: الحجُّ إلى بيت الله الحرام هو الركن الخامس من أركان الإسلام
إن بلد الله الحرام قد تميّز عن غيره من البلدان، وفاق غيرَه من الأراضي
والعمران؛ لا بخصوبة تربته، ولا بهوائه العليل، أو كثرة حدائقه وأشجاره، أو
لانتشار زروعه أو جريانِ أنهاره، فهذه ونحوها معدومة في هذا البلد الأمين، وغير
موجودة بنص القرآن المبين، فقد قال إبراهيم الخليل عليه السلام: {رَبَّنَا إِنِّي
أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ
الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ
تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}. (إبراهيم:
37)
بلد الله الحرام؛ جوُّه شديدُ الحرارة، وأرضُه صحراءُ
قاحلة، الجبالُ والوهادُ والوديانُ فيه أكثر من السهول، وإذا نزلت بركاتُ الأمطارِ
من السماء؛ كثُرت الفيضاناتُ والسيول إذن؛.
لم يُفضَّلْ بيتُ الله الحرام بالترفيه عن النفوس بالمتع الدنيوية، أو
الشهوات الشخصية لقد .
تميَّز بلدُ الله الحرام عن غيره من البقاع، والأماكن والأصقاع، بهبات
ربانية، ومِنَحٍ إلهيَّة، وخُصَّ بفضائلَ لا توجد لغيره، منها:
أنَّ فيه أوَّل بيت وضع للعبادة، قال
سبحانه: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا
وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ}. (آل
عمران: 96)
وهو أولُ مسجدٍ بُني في الأرض لله، إن
أَبَا ذَرٍّ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ
أَوَّلاً؟) قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ». قُلْتُ: ثُمَّ أَىُّ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ
الأَقْصَى». قُلْتُ: وَكَمْ بَيْنَهُمَا قَالَ: «أَرْبَعُونَ عَامًا،
وَالأَرْضُ لَكَ مَسْجِدٌ؛ فَحَيْثُمَا أَدْرَكْتَ الصَّلاَةَ فَصَلِّ». البخاري (3366)، ومسلم
(520)
بلد الله الحرامُ فُضِّل على غيره؛ لاحتوائه على مقدَّساتٍ
ومناسكَ وأماكنَ لا تكون في غيره، منها الكعبة:
بيت الله جلَّ جلاله لا توجد إلاَّ في بلد الله الحرام: {إِنَّ أَوَّلَ
بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ}.
آل عمران: 96)
إنه البيت العتيق الذي يطاف حوله
{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا
بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}. (الحج:
29)
إنه المسجد الحرام وهو قبلة المسلمين قال سبحانه: {فَوَلِّ وَجْهَكَ
شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ
شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ
مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ}.
(البقرة: 144)
وفيه مقام إبراهيم عليه السلام، قال عنه الله سبحانه: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ
مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}. (آل
عمران: 97)
ويوجد
فيه وحدَه حجارةٌ من أحجار الجنة؛ منها الركن والمقام.
قال إبن حجر في فتح الباري (6/406 ):
[وفي
حديث أبي جهم: (ذهب إسماعيل إلى الوادي يطلب حجرا، فنـزل جبريل بالحجر
الأسود، وقد كان رُفع إلى السماء حين غرقت الأرض، فلما جاء إسماعيل فرأى
الحجر الأسود؛ قال: "من أين هذا؟ من جاءك به؟!" قال إبراهيم: "من لم يَكِلْني إليك ولا إلى حجرك").
ورواه بن أبي حاتم من طريق السدي نحوه، وأنه كان بالهند، وكان ياقوتة
بيضاء، مثل الثغامة؛ وهي بالمثلثة والمعجمة: طير أبيض كبير). أهـ تفسير
القرطبي (2/ 122): تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري
(1/ 253)
الحجرُ الأسودُ ومقامُ إبراهيم، اللذان قال فيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إِنَّ الرُّكْنَ، وَالمَقَامَ يَاقُوتَتَانِ مِنْ يَاقُوتِ الجَنَّةِ،
طَمَسَ اللَّهُ نُورَهُمَا، وَلَوْ لَمْ يَطْمِسْ نُورَهُمَا لَأَضَاءَتَا
مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ». رواه الترمذي (878)
سبب طمس نورهما؛ ما قاله صلى الله عليه وسلم: «..
وَلَوْلَا مَا مَسَّهُمَا مِنْ خَطَايَا بَنِي آدَمَ لَأَضَاءَا مَا
بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا مَسَّهُمَا مِنْ ذِي عَاهَةٍ وَلَا
سَقِيمٌ إِلَّا شُفِيَ». السنن الكبرى للبيهقي (5/ 122، رقم 9229)
وفي أخرى له عنه أيضا رفعه قال: "لَوْلَا
مَا مَسَّهُ مِنْ أَنْجَاسِ الْجَاهِلِيَّةِ؛ مَا مَسَّهُ ذُو عَاهَةٍ
إِلَّا شُفِيَ, وَمَا عَلَى الْأَرْضِ شَيْءٌ مِنَ الْجَنَّةِ غَيْرُهُ". السنن الكبرى للبيهقي (5/ 122، رقم 9230) انظر الروايات في صحيح الترغيب (1147)
لقد «نَزَلَ الحَجَرُ الأَسْوَدُ مِنَ الجَنَّةِ، وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ». أخرجه الترمذي (877) انظر الصحيحة (2618)
الحجرُ الأسود الذي أقسم بشأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «وَاللَّهِ
لَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ
بِهِمَا، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ، يَشْهَدُ عَلَى مَنْ اسْتَلَمَهُ
بِحَقٍّ». رواه الترمذي (961) وقال: حديث حسن. انظر سائر الروايات في صحيح الترغيب (1144)
البلد الحرام فيه الركن اليماني
الذي تحط الخطايا باستلامه، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قال لِابْنِ
عُمَرَ –رضي الله تعالى عنهما-: (مَا لِي لَا أَرَاكَ تَسْتَلِمُ إِلَّا
هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ؛ وَالرُّكْنَ
الْيَمَانِيَ؟!) فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنْ أَفْعَلْ؛ فَقَدْ سَمِعْتُ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ اسْتِلَامَهُمَا يَحُطُّ الْخَطَايَا". مسند أحمد (8/ 31، رقم 4462). المشكاة (2580)، صحيح الجامع (2194)
وفي البلد الحرام ماء زمزم؛ التي منحها الله لهاجرَ أمِّ العرب، وابنِها إسماعيل عليه السلام أبي العرب، "إن جبريل لمَّا ركضَ زمزمَ بعقبه"؛-ليشرب إسماعيلُ عليه السلامُ وأمُّه- "جعلت أمُّ إسماعيلَ تجمعَ البطحاء"،-أي الرمل-. "رحم الله هاجر! لو تركتها؛ كانت عينا معينا". (عم ن الضياء) عن أبيّ، (2055) في صحيح الجامع
وفي رواية: "يرحم الله أمَّ إسماعيل؛ لو تركت زمزم"، أو قال: "لو لم تغرف من الماء؛ لكانت عينا معينا". (خ) عن أنس
إنه «خَيْرُ
مَاءٍ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مَاءُ زَمْزَمَ، فِيهِ طَعَامٌ مِنَ
الطُّعْمِ، وَشِفَاءٌ مِنَ السَّقَمِ، وَاللَّهِ مَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ
مَاءٌ شَرٌّ مِنْ مَاءِ بِئْرٍ بِوَادِي بَرْهُوتَ، =بئر عميقة بحضرموت لا يمكن نزولُ قعرها=، كَرِجْلِ الْجَرَادِ مِنَ الْهَوَامِّ، يُصْبِحُ يَتَدَفَّقُ وَيُمْسِي لا بِلالَ بِهَا» المعجم الكبير للطبراني (11/ 98) (11167) عن ابن عباس. والصحيحة (1056)
قال
المناوي: [أَي لَيْسَ بهَا قَطْرَة مَاء؛ بل وَلَا أرْضُهَا مبتلة،
وَإِنَّمَا كَانَت أشرَّ؛ لِأَن بهَا أَرْوَاح الْكفَّار كَمَا ورد فِي خبر
آخر]. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 531)
واعلموا أن "ماء زمزم لما شُرب له". (ش حم هـ هق) عن جابر (هب) عن ابن عمرو. (5502) في صحيح الجامع.
وعَنْ
عَائِشَةَ: (أَنَّهَا كَانَتْ تَحْمِلُ مَاءَ زَمْزَمَ فِي الْقَوَارِيرِ،
وَتَذْكُرُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ
ذَلِكَ). (وَكَانَ يَصُبُّ عَلَى الْمَرْضَى وَيَسْقِيهِمْ). شعب الإيمان
(6/ 32)، (3834) وهذا لفظه، ونحوه الترمذي (963). انظر السلسلة (883)
وقال ابن القيم:
[.. وَقَدْ جَرَّبْتُ أَنَا وَغَيْرِي مِنَ الاسْتِشْفَاءِ بِمَاءِ
زَمْزَمَ أُمُورًا عَجِيبَةً، وَاسْتَشْفَيْتُ بِهِ مِنْ عِدَّةِ
أَمْرَاضٍ، فَبَرَأْتُ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَشَاهَدْتُ مَنْ يَتَغَذَّى بِهِ
الأَيَّامَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ؛ قَرِيبًا مِنْ نِصْفِ الشَّهْرِ، أَوْ
أَكْثَرَ وَلا يَجِدُ جُوعًا، وَيَطُوفُ مَعَ النَّاسِ كَأَحَدِهِمْ،
وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ رُبَّمَا بَقِيَ عَلَيْهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا،
وَكَانَ لَهُ قُوَّةً يُجَامِعُ بِهَا أَهْلَهُ، وَيَصُومُ وَيَطُوفُ
مِرَارًا]. زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 361)
وفي بلد الله الحرام جبلا الصفا والمروةِ، اللذان قال الله سبحانه وتعالى فيهما: {
إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ
الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا
وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}. (البقرة: 158)
وثوابُ السعي بينهما في حجٍّ أو عمرة ثوابٌ عظيم، ففي الحديث: "وَأَمَّا سَعْيُكَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَكَعِتْقِ سَبْعِينَ رَقَبَةً،.." مسند البزار (12/ 317، رقم 6177)
ومنى؛ التي تُمنى-أي تراق- فيها دماءُ القرابين والهدايا والأضاحي التي {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} (الحج: 37)، «.. وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ، وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ مَنْحَرٌ، وَكُلُّ جَمْعٍ مَوْقِفٌ». أبو داود (2324)، صحيح الجامع (4225)
و «... مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ» سنن الترمذي (881) وابن ماجه (3006)، حسنه الألباني في صحيح الجامع (6620)، وإصلاح المساجد ص (202)
ومزدلفة وفيها المشعر الحرام قال تعالى: {لَيْسَ
عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا
أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ
الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ
لَمِنَ الضَّالِّينَ}. (البقرة: 198)
والمشعر الحرام موقف "وكلُّ المزدلفة موقف، .." (د ك) عن جابر(4536) في صحيح الجامع
وفي البلد الحرام جبل نَعْمانَ؛ عرفة أو عرفات، لقد "أَخَذَ اللَّهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بِنَعْمَانَ-يَعْنِي عَرَفَةَ-،
فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا؛ فَنَثَرَهُمْ
بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قِبَلاً قَالَ: {أَلَسْتُ
بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ
إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ
آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ
أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}. أخرجه أحمد (1/272)، الصحيحة (1623)
لقد قال عليه الصلاة والسلام: "وقفت هاهنا، وعرفةُ كلها موقف، ..". (م د) عن جابر (6748) في صحيح الجامع
فمناسك الحج والعمرة فيها حكم وعبر، فمن نظر بعين التدبر والتفكر؛ وجد في كل منسك ما شاء الله من الحكم والعبر.
وفي هذه الكلمات؛ وباختصار العبارة نركز النظر، ونستلهم العبر، ونمعن الفكر، المتعلقة بالجماد والحجر.
فإذا كان كذلك؛ وجدنا أن من مناسك الحج والعمرة؛ عدةُ أحكام تتعلق بالحجارة: فحجر يلمس ويقبَّل، وآخر يلمس ولا يقبل، وحجر يرمى ويرجم، وحجر يصلى خلفه، وأحجار أخرى يطاف حولها ويصلى إليها، أو يسعى بينها، وحجر يُدعَى عنده، وأخرى يجب تحطيمها والتخلص منها!!!!!