الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:،
أما نقلُ جثثِ المسلمين من عند الكافرين؛ فإن كانت قريبة العهد، أياما
مثلا؛ فلا مانع من استردادها، وغسلها وتكفينها، أما إن مضى عليها زمن بحيث
بليت وتآكلت، فالأولى -والله تعالى أعلم- أن تبقى مدفونة في أماكنها وعدم
نقلها، فهذا يعرض الجثث للامتهان والتأفف والاحتقار، ويجدد الأحزان، ويذكر
بالمصاب، فإذا مضى عليها سنوات مثلا فلا يجدي فيها غسل ولا تكفين،
ومواراتها وإبقاؤها في أماكنها أولى وأجدر، قال [.. أبو الحسن..: لقي رجلٌ
رجلاً قد أصيب بمصيبةٍ، فأبطأ عن تعزيته، فقال: لولا أن تجديد التعزية يجدد
جزعاً في المصيبة، لعزيناك عمن مضى]. التعازي لأبي الحسن المدائني (ص: 97،
رقم 157).
هذا أبطأ عن التعزية، فخاف تجديد الجزع، فكيف حال أولياء من مات أو قتل قبل
سنوات عديدة، يفاجأ وإذا بجثة حبيبه أو قريبه بين يديه؟!!
أما الصلاة على ميت مات منذ زمن فقال [ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ
مَنْ يَرَى الصَّلاةَ عَلَى الْقَبْرِ أَنَّهُ لا يُصَلَّى عَلَيْهِ إِلا
بِقُرْبِ دَفْنِهِ، وَأَكْثَرُ مَا قَالُوا فِي ذَلِكَ شَهْرٌ، وَقَالَ
غَيْرُهُ: اخْتُلِفَ فِي أَمَدِ ذَلِكَ فَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِشَهْرٍ،
وَقِيلَ: مَا لَمْ تَبْلَ الْجُثَّةُ، وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِمَنْ كَانَ
مِنْ أَهْلِ الصَّلاةِ عَلَيْهِ حِينَ مَوْتِهِ، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ
عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ،..] شرح الزرقاني على الموطأ (2/ 86).
ويوم القيامة تعود الأرواح إلى الجثث التي خرجت منها للجزاء والحساب،
فجهزوا أنفسكم يا عباد الله اليوم قبل غدٍ، ماذا تقولون لله جل جلاله عندما
يناديكم فيقول: "يَا عِبَادِي! إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا
لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا،
فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ
نَفْسَهُ». صحيح مسلم (2577).
[اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وانصر الإسلام والمسلمين، واجعل كلمتك هي
العليا إلى يوم الدين، واخذل الكفرة وأعوانهم والملحدين والمبتدعين، وأصلح
من في صلاحه صلاح الإسلام والمسلمين، وأهلك من في هلاكه صلاحٌ للإسلام
والمسلمين، وولِّ على المسلمين خيارهم يا رب العالمين، ولمَّ تجديد التعزية
شعثهم، واجمع شملهم، ووحِّد كلمتهم، وانصرهم على من خالفهم، واحفظ بلادنا
من الفسقة والمجرمين، وأصلح أولادنا، واشف مرضانا، وعاف مبتلانا، وارحم
موتانا، وخذ بأيدينا إلى كل خير، واعصمنا من كل شرٍّ، واحفظنا من كل ضر،
واغفر اللهم للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم
والأموات، إنك قريب مجيب =الدعوات=، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا
مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك
فينا ولا يرحمنا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ولا تسلب نعمتك عنا،
وكن معنا حيثما كنا، يا حيُّ يا قيوم، اللهم صلِّ =وسلم وبارك= على محمد
وآله وصحبه أجمعين، =ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين=] فائدة عظيمة النفع
لمن وفقه الله (2/ 21)
ألَّف بين جملها وجمع نصوصها من مظانها:
أبو المنذر فؤاد بن يوسف أبو سعيد
بالزعفران المغازي الوسطى غزة فلسطين
ضحى الجمعة 11/ 7/ 1433 هلالية.
وفق: 1 يونيو 2012 شمسية.
للتواصل مع الشيخ عبر البريد الالكتروني:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]أو زوروا الموقع الالكتروني الرسمي للشيخ:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]