لهما موقفان مختلفان:
أهل الزيغ والضلال يأخذون المتشابه ويتركون المحكم، يأخذون المتشابه من اللفظ يأخذون العمومات يأخذون المطلقات يأخذون المنسوخ ويقولون هذا القرآن نحن نعمل بالقرآن يضلون بهذا، لأن الله أمر أن يرد المتشابه إلى المحكم فلا يجوز أخذ المتشابه دون رده إلى النصوص المحكمة التي تبينه وتفسره، أهل الضلالة أخذوا بالمتشابه ولم يردوه إلى المحكم مثل الخوارج أخذوا نصوص الوعيد طبقوها على العصاة من أهل السنة والجماعة من المسلمين وكفروا المسلمين بها،ولم يردها إلى الآيات والأحاديث التي تبينها وتقيدها مثل قوله: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) فهم مثلا أخذوا (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً) فقالوا العاصي هذا خارج من الدين وهو مخلد في النار ولم يرجعوا إلى قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) ضلوا بهذا الطريق وزاغوا ولهذا سماهم الله أهل الزيغ (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) والزيغ: هو الانحراف عن الحق (فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ) يأخذون النصوص المتشابه ويستدلون بها على مذهبهم مثل ما فعل الخوارج والمعتزلة والقدرية ومن سار على نهجهم فضلوا وأضلوا وزاغوا والعياذ بالله، لأنهم لم يأخذوا العلم من مصادره، يحتجون بالمتشابه من القرآن كما يقول الإمام أحمد رحمه الله: يرجون بالمتشابه من القرآن، ويتركون المحكم الذي يقيده ويفسره ويوضحهن فكل من سار على هذا فهو زائغ، سواً قصد الزيغ هو والتلبس على الناس، أو أنه جاهل متعالم ما درس الأصول أصول التفسير وأصول الفقه والقواعد التي يسير عليها العلماء، ما درسها يقرأ القرآن ويستدل بها على طول ويقول أنا عندي أدلة من القرآن نقول هذه لا تكفي وحدها حتى تردها إلى ما يوضحها ويفسرها ويقيدها وهذا يحتاج إلى علم ما يكفي التعالم والحفظ ما يكفي هذا، هؤلاء هم أهل الزيغ (ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ) يسلكون هذا المسلك ليش (ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ)لأجل أن يضلوا الناس والعياذ بالله، ويقولون هذا القرآن يدل على كذا فيضلون الناس على غير علم (باسم القرآن) وهم ليسوا من أهل القرآن حقيقةً، قد يكونون أهل عبادة وأهل ورع وأهل صوم وصلاة، ولكنهم ليس عندهم علم ولا فقه فلم ينفعه ورعهم وصيامهم ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في الخوارج: "تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ إلى صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ إلى صِيَامِهِمْ يصومون النهار ويقومون الليل حتى أثر هذا في أعضاءهم وفي وجههم من شدة القيام والصيام ثم قال صلى الله عليه وسلم: "يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينَ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ" لماذا؟ لأنهم يضلون الناس،المسألة ليست مسألة حماس وورع، لابد من العلم يا أخي لابد من العلم والفقه بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا يحتاج إلى تعلم إلى رجوع أهل العلم، تعلم أهل العلم، وأهل المعرفة لا تستقيل بفهمك، الخوارج،والمعتزلة إنما أوقعهم فيما وقعوا فيه أنهم اعتزلوا العلماء ووصفوا العلماء بالمداهنين والمتساهلين وصفوهم بأوصاف اعتزلوهم وانحازوا لأنفسهم فحصل ما حصل منهم كل نتيجة أنهم لم يردوا المتشابه إلى المحكم، ولم يرجعوا في هذا إلى أهل العلم، ولم يأخذوا العلم من أبوابه وأهله، إنما أخذوه اعتباطاً من فهمهم هم، وهذا ليس خاصاً بهم كل من سار على هذا المنهج فإنه يكون منهم (ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) ابتغاء تفسيره وهم لا يعرفون تفسيره، تفسيره أن يردوه إلى المحكم وهم لا يعرفون هذا، فهم يفسرونه بغير تفسيره ولذلك وقعوا فيما وقعوا فيه، وقيل (وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) أنهم يردون معرفة ما أخبر عنه الله ورسوله مما يكون في الدار الآخرة من الجنة والنار، والنعيم والعذاب، والمأكل والمشارب وهذه لا يعلمها إلا الله عز وجل، الله أخبرنا بها ونؤمن بها، ولكن حقيقتها لا يعلمها إلا الله، ولا جاء وقتها (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ يعني في الدنيا قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) فات الأوان، لما شاهدوا التأويل وهو المآل والعاقبة الذي تفسر هذه النصوص عند وقعها، لما شاهدوا هذا عرفوا أنهم مخطئون في تفسيرهم الأول، لأنهم ما ساروا على الطريق الصحيح في هذا (ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ)، ثم قال جل وعلا: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ) يعني: ما يعلم ما يكون في المستقبل من هذه الأمور التي أخبر الله عنها ما يعلم ما تأول إليه في المستقبل ولا يعلم حقائقها إلا الله جل وعلا، لأن هذا من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، هذا إذا أُريد بالتأويل ما تأول إليه هذه الأمور في الآخرة، وكذلك الأسماء والصفات لله عز وجل حقائقها وكيفياتها لا يعلمه إلا الله، أما معناها فهو ظاهر، فهم اقتحموا هذا كله من غير أصول يمشون عليها، ومن غير طريق صحيح اخترقوا كما يقول الناس اليوم اخترقوا القواعد، واخترقوا الأصول وحصل منهم ما حصل، هؤلاء هم الخوارج والمعتزلة ومن نحى نحوهم، ومن المتعالم وإن كان ليس مثلهم لكن الجهل الذي هو سبب لهم هذا وإلا قد لا يكون عندهم زيغ ولا يقصدون الزيغ لكن تعالموا وظنوا أنهم صاروا علماء فاخترقوا هذه القواعد وهذه الأمور فهو ليس بلازم قواعد ولا بلازم أن معنى كتاب الله ونأخذ منه مباشرة من غير أن رجع إلى القواعد ونرجع إلى تفسير مجاهد وتفسير الشعبي وتفسير ابن عباس هال القرآن يخاطبنا مباشرة هكذا يقولون ولا حاج إن رجع لأهل العلم حنا علما حنا ندرك هذا هو طريق الضلال وطريق الزيغ، ولا حول لا قوة إلا بالله، هذا موقف الزائغين والعياذ بالله، أنهم يأخذون المتشابه ولا يردونه إلى المحكم، يقطعونه (يَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) ومما أمر الله به أن يوصل أن يرد المتشابه إلى المحكم، مثل الذي يقول (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) يقول الله يتوعد المصلين ولا يجيب الآية التي بعدها (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) هو اخذ آية قطعها عن الآية التي بعدها التي تبينها، يقول أنا أخذت بالآية الله توعد بالمصلين ولم يكمل الآية التي بعدها (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ* الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ* وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) ما تأخذ آية وترتك ما يقيدها ما يفسرها، القرآن يفسر بعضه بعضا، يوضح بعضه بعضا، قد تكون آية في أول القرآن تقيدها آية في آخر القرآن مثلا أو في وسط القرآن وهذا يحتاج إلى علم، يحتاج إلى بصيرة، يحتاج إلى جلوس أهل العلم.
أهل العلم إلى الذي قال الله فيهم: ( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) هذا موقف، الراسخين الثابتين في العلم ما هو علم ويتزعزع علمهم ثابت لأنه مبني على أصول ثابتة: ( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) ما موقفهم من المحكم والمتشابه؟ (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ أي المحكم والمتشابه مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) فيردون المتشابه إلى المحكم، لأنه كله من الله عز وجل، كله كلام الله يفسروا بعضه بعضا يوضح بعضه بعضا يقيد بعضه بعضا، فيردون المتشابه إلى المحكم هذه طريقة الراسخين في العلم، الذين أخذوا العلم من بابه ومن أصوله ولم يقتحموا من أعلاه (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا) كل شيء يؤتى من بابه، فإذا اقتحمته من أعلاه فإنك لن تصل إلى الغاية التي تريدها لأنك ما جاءت من الباب، العلم له أبواب، له مبادئ، له أصول، له أهل يعلمونه تأخذ منهم (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ أي بالقرآن كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) كل أي المحكم والمتشابه، فيردون المتشابه إلى المحكم فيفسره ويبنه ويوضحه فيستفيدون ويفيد غيرهم، يهتدون ويهدون غيرهم، بمعنى يدلونهم للصواب وإلى العلم الصحيح (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) العقول السليمة، ثم دعوا ربهم أن يعذهم من طريقة الزائغين الذين يأخذوا المتشابه ويتركون المحكم (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا) يعني: كما زاغت قلوب الذين أخذوا المتشابه وقطعوه من المحكم، واستدلوا به استدلال فاسداً فضلوا وأضلوا، (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ*رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) يجمع الله هؤلاء الذين قالوا في كتابه بغير علم ويجمع الراسخين في العلم الذين قالوا فيه بعلم معهم الله يوم القيامة، فيُجازي كلاً بعمله ويحاسب كلاً على ما صدر منه (رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ) تذكر أنك سترجع إلى هذا اليوم، فلا تتكلم بما لا تعلم، لا تتكلم بغير علم، لا تتسلق العلم من غير أبوابه، لا تأخذ العلم من غير أهله، لا تكتفي بالكتب تطالعها تزعم أنك صرت عالم تحفظ، ولا تفقه، ما يكفي الحفظ لازم من الفقه والمعرفة، فهذه طريقة ضالة وهي طريقة أهل الزيغ، نسأل الله العافية.
فعلى شبابنا وفقهم الله عليهم أن يهتموا بهذا الأمر، وأن يجالسوا إلى أهل العلم، ويستمعوا منهم، ويأخذون العلم من أهله، لا يأخذونه من إفهامهم ومن كتبهم ومن أشباههم من الذين لا يعلمون (لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ) سيقولون هذا يوم القيامة (لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ)، يا أخوان تنبهوا لهذا، وفقنا الله وإياكم لصالح القول والعمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]