تلخيص أحكام الحج
تلخيص أحكام الحجدورة ألقيت من يوم الجمعة 3 من ذي القعدة إلى يوم الثلاثاء 7 من ذي القعدة 1424هـ في مسجد عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بحي الجلوية بمدينة الدمام تأليف: عبد السلام بن صالح العييري - إمام مسجد عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بالدمام
أحكام المناسك
1- تعريف الحج: قال الشيخ في العمدة 2/73 الحج معناه في أصل اللغة قصد الشيء وإتيانه، ومنه سمي الطريق محجة لأنه موضع الذهاب والمجيء ومنه الحجة والحاجة. وقال بعض أهل اللغة هو القصد إلى من يعظم.
قال الشيخ: ثم غلب في الاستعمال الشرعي والعرفي على حج بيت الله فلا يفهم على الإطلاق إلا هذا النوع الخاص من القصد.
قال في الفتح 3/482 في الشرع القصد إلى البيت الحرام بأعمال مخصوصة.
2- حكمه: ركن، فرض، واجب؛ وبعض العلماء يفرق بين الفرض والواجب.
ونقل ابن المنذر الإجماع عليه إلا أن ينذر نذراً فيجب عليه الوفاء.
في مسلم عن أبي هريرة: " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا. فقال رجل: أكلّ عامٍ يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً فقال: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم". دل على أنه فرض وأن الأمر لا يفيد التكرار وأن النبي له أن يجتهد وكلامه شرع. وأن الأصل في أمره الوجوب والكلام مع الخطيب لمصلحة يجوز. قال في الفتح 3/483 أجمعوا على أنه لا يتكرر إلا لعارض كالنذر.
3- حكم تاركه: ذكر ابن رجب في شرح الأربعين 1/147 ذهب طائفة من العلماء إلى أن من ترك شيئاً من أركان الإسلام عمداً أنه كافر. روي عن ابن جبير ونافع والحكم ورواية عن أحمد اختارها بعض أصحابه وهو قول ابن حبيب من المالكية.
خرج الدارقطني عن أبي هريرة قيل يا رسول الله الحج في كل عام؟ قال لو قلت نعم لوجب عليكم ولو وجب ما أطقتموه ولو تركتموه لكفرتم. قال المحقق جاء عند عبد بن حميد عن الحسن مرسلاً وعن ابن ماجة ولو لم تقوموا بها عذبتم. قال في التلخيص رجاله ثقات.
قال الحافظ روي عن عمر ضرب الجزية على من لم يحج وعن أحمد رواية أن ترك الصلاة والزكاة كفر دون ترك الصيام والحج.
روى الترمذي من طريق الحارث عن علي مرفوعاً من مَلَك زاداً وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً.
قال أبو عيسى: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وفي إسناده مقال وهلال بن عبد الله مجهول والحارث يضعف وله طرق ضعيفة؛ لكن جاء عند البيهقي وسعيد بن منصور عن عمر "لقد هممت أن أبعث رجالاً" وإذا جمعت هذا إلى ما قبله علمت أن له أصلاً ومحمله على من استحل الترك وتبين بذلك خطأ من ادعى أنه موضوع. قال ابن كثير 2/84 [ومن كفر] عن ابن عباس ومجاهد من جحد فريضة الحج. أما قول عمر فعند الإسماعيلي عنه بسند صحيح.
4- متى فرض؟ سنة 9 للهجرة عند الأكثر أو عند الشافعي سنة 6هـ، وقيل سنة 5هـ.
قال في الفتح 3/483: قيل فرض قبل الهجرة وهو شاذ.
والأظهر أنه فرض سنة 9هـ رواية عن أحمد ولم يحج النبي إلا حجة واحدة أما ما جاء عنه أنه حج حجتين بعد الهجرة فكلها منكرة جزم بنكارتها أحمد والبخاري والترمذي.
5- هل هو على الفور أم على التراخي؟
اختلفوا على قولين:
على الفور ومن قدر بماله وبدنه ولم يحج فهو آثم وهذا مذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد وهو قول أهل الظاهر.
على التراخي وهو مذهب الشافعي ومذهب محمد بن الحسن لأن الحج فرض سنة 6هـ والنبي عليه الصلاة والسلام تأخر إلى عام 10هـ. واستدل الجمهور بالعمومات والأصل في الأمر أنه على الفور ما لم يصرفه صارف وأن فرض الحج كان سنة 9هـ أو 10هـ، وعلى فرض أنه سنة 6هـ لم يتأخر النبي إلا لأجل أن يتمحض الحج للمسلمين. واستدلوا بأحاديث الحث على التعجل للحج منها:" من أراد الحج فليتعجل" رواه أحمد وأبو داود والبيهقي.
ومن الأعذار في عدم المبادرة به لأن مكة لم تفتح يومئذٍ أو حتى يستدير الزمان كهيئته، والأوامر الشرعية والفرائض على الفور إلا قضاء رمضان فإنه موسع. ولأن المبادرة أبرأ للذمة. ورجح أنه على الفور شيخ الإسلام وابن القيم.
وقوله من أراد الحج فليتعجل ليست الإرادة هنا على التخيير مثل من أراد الصلاة فليتوضأ مثل {لمن شاء منكم أن يستقيم}.
ومما يدل على الوجوب على الفورية أنه لو مات لأثم وقضي عنه فدل على أنه يبادر به لئلا يأثم.
6- هل العمرة واجبة؟
تجب بشروط الحج مرة في العمر: مذهب الشافعي في قول وأحمد في رواية مروي عن عمر وابنه وابن عباس وزيد، وقال به السعيدان وإسحاق وأهل الظاهر.
مذهب مالك وأبي حنيفة وقول للشافعي ورواية عن أحمد لا تجب قول ابن مسعود وأبي ثور.
7- أسراره وحكمه وفوائده وفضله:
على الدعاة والمرشدين أن يخصصوا كلمات ودروساً في أسرار التشريع في الحج ومقاصد الإسلام في هذه الشعيرة والحكم المستفادة من قوله تعالى: {ليشهدوا منافع لهم}.
لأن معرفة الحكمة والفائدة والفضل تعمق الفهم في الشريعة وتجعل الإنسان يغوص في المعاني ويعرف المقاصد ويعمل بقناعة تامة بالنص.
8- أركانه:
الإحرام؛ وهو النية.
الوقوف بعرفة.
طواف الزيارة.
سعي الحج بعد الإفاضة أو قبله. وهذه اتفق عليها الأئمة الأربعة بالجملة.
الإحرام: أي النية للنسك هذا معلوم متفق عليه.
الوقوف بعرفة: {فإذا أفضتم} الحج عرفة وفي لفظ عرفات رواه الخمسة من حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلمي وطواف الإفاضة بالإجماع {ثم ليقضوا تفثهم...}.
والسعي {إن الصفا...} و:{إن الله كتب عليكم السعي} رواه أحمد والشافعي والبيهقي عن حبيبة بنت أبي تجراة.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سن لكم رسول الله الطواف بينهما فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما. رواه البخاري ومسلم.
وعند ابن ماجة قالت: لعمري ما أتم الله عز وجل نسك من لم يطف بينهما.
ومن أدلة ركنية الإفاضة حديث (أحابستنا هي) فدلَّ على أنه حابس لمن لم يأت به.
وطواف الزيارة من شرطه أن يكون بعد عرفة لا قبلها لما في سياق آيات الحج في سورة البقرة ثم قال في الحج {ثم ليقضوا...}. والسعي ركن على المذهب وقيل يجبر بدم وهو واجب وقيل سنة وهو أضعفها والصواب أنه ركن.
ذكر الشيخ في شرح العمدة 3/572 الفرق بين أركان الصلاة والحج فقال من ترك أركانه لم يصح ولم يتم حجه لعذر أو غير عذر، أما أركان الصلاة فتجب مع القدرة وتسقط مع العجز لكن في الحج تمكنه الاستنابة فيما عجز عنه بخلاف الصلاة فلا نيابة فيها. قلت وفرق بين الواجبات فيهما فترك الواجب عمداً في الحج لا يبطله بل على من ترك الواجب دم جبران، ومن ترك الواجب في الصلاة عمداً بطلت ولو أتى به.
9- واجباته: يصح الحج بدونها وهي بخلاف الركن.. وهي:
الإحرام من الميقات المعتبر له والدليل {يهل...} خبر يراد به الأمر وعند البخاري [فرض رسول الله لأهل المدينة....].
الوقوف بعرفة إلى الغروب وزعم بعض العلماء عدم الوجوب لحديث عروة بن مضرس والصحيح الوجوب إلى الغروب لأن النبي مكث فيها إلى الغروب مع أنه لو دفع بالنهار لكان أرفق وأوضح بالنهار، وتركه للأيسر يدل على أن الأيسر ممتنع لحديث عائشة "ما خيّر رسول الله..."رواه البخاري ومسلم. ولأن الدفع قبل الغروب فيه مشابهة للمشركين.
المبيت بمنى ليالي التشريق.
المبيت بمزدلفة ليلة النحر.
ودليل المبيت بمنى أنه رخص لعمه العباس أن يبيت بمكة ليالي التشريق لأجل السقاية رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر والرخصة مقابل العزيمة وحديث لتأخذوا عني.
أما المبيت بمزدلفة فقيل واجب وهو وسط بين الركن والسنة ويقاس على السقاة والرعاة من لهم اشتغال بمصالح الناس العامة.
ويخطئ من يلزم بالدم من بات خارجها ليلة واحدة لكن لو بات ليلتين باعتبارهما جنسا لكان له وجه. والوجوب أصلاً فيه نظر والدم على من ترك الواجب لا جزءاً منه ولذا كان أحمد يقول عليه قبضة من طعام وقال بعضهم عليه درهم واستثناء السقاة والرعاة ليلة مزدلفة فيه نظر لأن الناس معهم رواحلهم وهي لا ترعى ليلة مزدلفة. والجنود ورجال الإطفاء والأطباء لا يرخص لهم في ترك مزدلفة لأنه أوكد بكثير من منى.
ووقت المبيت في مزدلفة إلى نصف الليل على المذهب فيدفع حتى القادر والصحيح أنه آخر الليل.
الرمي لحديث "بأمثال هؤلاء فارموا" ولكونه عملاً يترتب عليه الحل وحافظ عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يتركه.
الحلق أو التقصير لفعله عليه الصلاة والسلام وعدم تركه ولقوله {إن شاء الله محلقين}. قال العلماء والتعبير عن العبادة بجزء منها دليل على وجوبه فيها.
الوداع: هكذا عده كثيرون والصواب أنه ليس من واجبات الحج بل هو على من أراد السفر بعد الحج ولو أطال المكث بمكة.
10- شروطه: الإسلام، العقل، البلوغ، كمال الحرية، الاستطاعة، وتزيد المرأة بوجود المحرم.
الإسلام: لا يصح من الكافر ولا المرتد ومثله من لا يصلي أو يسب الدين.
العقل: فلا حج على مجنون ولا سائر العبادات إلا الزكاة.
البلوغ.
كمال الحرية.
فإن بلغ الصغير أو عتق الرقيق قبل الوقوف أو بعده وعاد ووقف أجزأه عن حجة الإسلام. وحج الصغير يصح عند الجمهور. إن عقد النية عن الصغير لا بأس به ويجعله يلبي وله أن يفسخ ولا كفارة عليه عند المحظور لأن عمده خطأ وهذا قول أبي حنيفة. ويفعل المناسك بنفسه إلا ما يعجز عنه كالرمي. وفي الطواف يطوف به بنية واحدة محمولاً ولا يجعل البيت عن يساره فيحمله كيف شاء.
الاستطاعة: وهي القدرة والمراد بها عند الجمهور الزاد والراحلة.أما حديث الزاد والراحلة فرواه الدارقطني والحاكم. وجاء عن ابن عمر عند الترمذي وابن ماجة وغيرهما. وجاء عن الحسن مرسلاً عند أبي بكر في مصنفه وابن جرير وصوب البيهقي إرساله عن قتادة عن الحسن يعني جميع رواياته وقال لا أرى الموصول إلا وهماً. وشواهده جميعاً ضعيفة والصحيح منها مرسل الحسن كما ذكره في التلخيص.
بعد قضاء الواجبات والديون والنفقات ومن عليه ديون فيه تفصيل أما قولهم على الدوام فالمراد مدة ذهابه ورجوعه وهذا رأي الجمهور.
عند الجمهور لا يصير مستطيعاً ببذل غيره له، وعند الشافعية نعم والصواب الأول إذ لا يلزمه تحصيل المال ليحج فما لا يتم الوجوب إلا به فليس بواجب.
ومن يؤخذ منه مال للخفير وهي خفارة على المذهب غير مستطيع وعند الموفق يجب عليه إذا كان المال يسيراً.
القدرة على 3 أقسام:
بالمال والبدن يجب عليه فوراً.
قادر بدناً دون المال فيجب عليه إذا استطاع الخدمة أو المشي.
قادر بماله دون بدنه وله حالات:
أن يرجى برؤه فليس له أن يستنيب بل ينتظر حتى يبرأ.
ألا يرجى برؤه فعند الجمهور يجب عليه أن يستنيب أحداً وعند مالك لا يجب.
أحكام الإنابة:
1. هل ينوب عنه من بلده الذي وجب عليه الحج منه؟
المذهب نعم لأن القضاء بصفة الأداء.
والصواب قول الجمهور بعدم الوجوب لأن السعي إلى مكة ليس مقصوداً بحد ذاته.
2. يجوز حج الرجل عن المرأة والعكس لحديث الخثعمية.
3. من لم يحج عن نفسه لا يحج عن غيره على المذهب ومذهب الشافعية.
4. من حج فقط له أن ينوب عن حجة أخرى ولو لم يعتمر وكذا لو اعتمر ولم يحج.
5. ليس للصبي والعبد أن ينوبا عن أحد لأنهما لم يسقطا الفرض عن نفسيهما.
6. يصح أن ينوب عن أحد في عمرة ثم يحل ثم عن آخر في حج ويصير متمتعاً.
7. لا ينيب إلا الحي العاجز أو الميت أما الحي القادر فلا ينوب عنه في الفرض أحد.
8. يستحب الأداء عن الوالدين لكن يقدم الأم ويقدم فرضه على نفلها.
9. النائب أمين يفعل الأصلح في النسك والنفقة ويرد الزائد.
أما المحرم للمرأة ففيه مسائل:
هل هو شرط لها؟
المذهب يقول نعم.
من هو المحرم؟
هو الزوج، ومن تحرم عليه تحريماً أبدياً وهم 7،
أو بسبب مثل الرضاع مثلهم 7، أو بمصاهرة وهم 4: أبو الزوج، ابن الزوج، زوج البنت، وزوج الأم.
لا بد من محرم موافق لها على السفر ومن ماتت وهي غنية ولا محرم لها فلا يحج عنها من تركتها لأنه ما وجب عليها وهو أصح وقيل يحج عنها من مالها.